آخر تحديث :الإثنين-16 سبتمبر 2024-01:46م

فريضة التسامح

الثلاثاء - 20 سبتمبر 2016 - الساعة 08:18 ص

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي
- ارشيف الكاتب


التسامح مفهوم فلسفي وإنساني راقٍ، هو نتيجة قرونٍ من الانحدار لدركات النزاعات والصراعات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، التي ملأت أوروبا وممالكها ودولها، فبعد قرونٍ من الدماء والأشلاء، وصراعات لا تنتهي، اكتشف الإنسان الأوروبي في سياقه التاريخي والحضاري أن التسامح فريضة يجب أن تسود ومنهج ينبغي أن يُرعى.
النصوص الدينية والفلسفات الكبرى مفتوحةٌ دائماً للتأويل وإعادة القراءة والتفسير، لأن ذلك جزء من مقدرتها الأساسية على الصمود عبر التاريخ ومواجهة المتغيرات والتواؤم مع المستجدات، والتسامح كمنتج نهائي يمكن على الدوام تبيئته دينياً واجتماعياً، وسياسياً وثقافياً، ولكنه بحاجة إلى مزيد عنايةٍ ووعيٍ، لأنه ببساطة منتج متحضر بينما المنتجات المتطرفة والعنيفة هي منتجات تجد مكانها لاحباً في نفوس الكثير من الناس غير القادرين على القراءة الأعمق والفهم الأدق، إنْ للنصوص وإنْ للواقع فضلاً عن المستقبل.
ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زار الفاتيكان الأسبوع الماضي والتقى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، في رسالة من قائد خليجي تبعث «التسامح» وتدفع باتجاهه، وهي زيارة تاريخية بكل المقاييس، وتؤكد أن نهج الإمارات الذي أسسه الشيخ زايد لم يزل مستمراً برعاية القادة ورؤية الدولة. إنها رسالة «التسامح» في وجه «الكراهية» ورسالة «التعايش» في وجه «العدائية» ورسالة «التحضر» في وجه «التخلف» ورسالة «السلام» في وجه «العنف»، إنها رسالة تقول للعالم أجمع، أمماً وشعوباً، دولاً وحكومات، جماعات وأحزاباً: إن قدر البشرية الأرقى في التسامح والانفتاح والبناء والتنمية، وقدرها الأفضل هو في التعاون والتعاضد لا في التصارع والتخاصم.
إنها رسالة المبادئ الكبرى التي يجب أن تسود، والإنسانية العظيمة التي يجب أن تُدعم وتُنشر، بعيداً عن تأويلات الكراهية والعنف والدماء، وقريباً من مستقبل بشريٍ يسوده العدل والإنصاف والتسامح والتعايش.
هذه الرسائل التي تبعثها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد للفاتيكان هي رسائل متوارَثة في أبوظبي، أسسها الشيخ زايد رحمه الله، في سياسته المعلنة، وفي قراراته منذ عقود في التعامل مع كل الأديان والمذاهب التي يوجد لها أتباعٌ في دولة الإمارات، والتاريخ خير شاهد.
قبل أعوام استضافت دولة الإمارات مركز «هداية»، وهو مركز دولي معني بمكافحة الإرهاب عبر سبر أغواره وملاحقة جذوره وفهم أعماقه والتعامل الأمثل معه، كما أضافت له مركز «صواب» المعنيّ بفضح الإرهاب وفضح جماعاته وأفكاره وإظهار توحشه عبر كل وسائل التواصل الحديثة ووسائط الاتصال الرقمي، ولا يقل أثراً الدور الذي يلعبه «مجلس حكماء المسلمين» والذي مقره أبوظبي.
مع كل المشكلات الكبرى التي يشهدها العالم، وبالذات مشكلة الخطابات الدينية المتطرفة والمتشددة التي تنتج الإرهاب، والتي تنطلق أساساً من دين الإسلام في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، فإن المسؤولية تكون مضاعفة على الدول المسلمة، لإيجاد حلول الخلاص من هذا التطرف، وكذلك لنشر التسامح كمبدأ جديد يسمح باجتراح اختراق حضاري ينقذ الإسلام والمسلمين من أتون التطرف والتشدد والإرهاب.
إن أي مجاملة للتطرف والتشدد تصب في خلق مزيد من التجافي والابتعاد عن العالم الحديث، بكل موازناته، وإن مهمة خلق خطابات دينية جديدة هي مهمة يجب أن تحظى بكل الرعاية المستحقة والدعم الحقيقي، لقد أصبحت المسألة ضرورة واقعية وسياسية وليست مجرد حاجة دينية أو حضارية.
أخيراً، أكد ولي عهد أبوظبي حرص بلاده «على تعزيز العلاقات مع دولة الفاتيكان والتشاور معها انطلاقاً من إيمانها بأن العالم في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى مد جسور الحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والأديان للتصدي لمثيري الفتن الدينية والطائفية والعنصرية».
 
*نقلا عن "الإتحاد"