لا تلم الناس لأنهم خيبوا أملك، بل لم نفسك لأنك توقعت منهم أكثر مما يجب.
تركيا تستأنف الاتصالات الدبلوماسية مع مصر بحسب وزير خارجيتها "مولود جاويش أوغلو" الذي أكد أيضاً بأن عودة علاقات بلاده بالإمارات ممكنة جداً.
والسعودية تتصالح مع تركيا وقطر، وهذه الأخيرة ترسل وفد دبلوماسي للتشاور مه نظام السيسي الذي كان تنعته بالانقلابي، والقاهرة تلغي قرار فرض الرسوم على القادمين القطريين.
فأن ترهن مستقبل وطنك وقضية شعبك بخلافات آنية بين دول المنطقة والركون على هذه الخلافات وكأنها ثابت سياسي لا يتغير ، فهذا يعني ضحالة بالتفكير السياسي. فالخلافات التي شاهدنا بالسنوات والأشهر القليلة الماضية بين عددٍ من الدول منها دول عربية ( وأن كان من حقنا الاستفادة منها من منطق الاستفادة من حالات التباينات التي تطرى بين الدول لانتزاع مكاسب معينة) إلّا أن وضع مستقبل وطن ومصير قضية رهنا بهكذا خلاف دون تدبر وسائل أخرى موازية، أو الانغلاق على كل الدول بالمنطقة وعلى القوى بالداخل إرضاءً لهذه الدولة أو لتلك الجهة فأن هذا يعني وضع كل البيض في سلة واحدة ،ورهانٌ على حصان أعرج. فالخلافات مثل التحالفات لا تستقر على حال، فهي مرتبطة ارتبطا عضوي بالمصالح، وسرعان ما تتبدل اتجاهات الخصومات وتتغير اتجاهات التحالفات من جهة الى أخرى بحسب مؤشر بوصلة المصالح. والشواهد كثيرة.
بعض أصحاب التفكير السطحي كان الى قبل أسابيع لا يتصور أن وزير خارجة السعودية سيهبط في مطار الدوجة وتعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى ما قبل الأزمة بل أفضل، بعد الكم الهائل من الشتائم والخصومة حتى الفجور بين البلدين ،ولا أن هذه الأزمة ستصبح في خبر كان بمجرد مكالمة من البيت الأبيض. ولا أن أردوغان الذي اعتبر قبل أشهر أن الحرب باليمن هي عدوانا على اليمن ومجلبة للدمار سيحزم اليوم حقيبته للانضمام الى ركب التحالف، يرسل طائراته المسيرة الى اجواء اليمن, وربما يرسل في قادم الايام المرتزقة والمتطرفين الذين ينقلهم للقتال بصفه من دولة الى أخرى.
ومن كان الى قبل أسابيع يتصور أن قطر وتركيا سيتخليان تدريجيا عمن تسميانهما بالمعارضة السورية بسوق النخاسة السياسية كما فعلت قبل أيام في لقاء ثلاثي جمعهما في الدوحة مع وزير الخارجية الروسي حين أقرتا بأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للأزمة السورية وأن الحل العسكري لا مستقبل له، بعد أن سبقتهما السعودية قبل أشهر واعلنتها صراحة بوجه عدد من رموز المعارضة السورية بأن عليهم أن ينصاعوا للجهود السياسية الدولية لحل أزمة بلادهم.؟
ليس هذا فحسب بل كان لدى البعض اعتقادا راسخا وما زال بأن تركيا لن تفرط بحركة الإخوان وبالذات في مصر ولا أنها ستتوسل ذات يوم رضاء مصر بإعادة العلاقة بينهما الى سابق عهدها، فهاهي اليوم تركيا تعلن على رؤوس الأشهاد أنها استأنفت الاتصالات الدبلوماسية مع مصر، وربما يضحي أوردغان بحركة الإخوان المسلمين بالمنطقة كلها إن كان الثمن المصلحة العليا لبلاده، وقد شرَعَ فعلا بغزل سياسي تجاه الرئيس السيسي وحكومته، ويعرض خدماته على مصر للمساهمة بحل أزمة سد النهضة مع أثيوبيا.
ما نود أن نقوله هو ألّا خصومة دائمة ولا صداقة دائمة بل مصالح دائمة, وأن التطرف بالتحالف مع هذه الجهة أو هذه الدولة الجارة من باب اظهار ولاء الطاعة والمجاملة المايعة هي بلادة سياسية وإضرار مباشر- بقصد أو دون بقصد- بأية قضية تتبناها وبأي وطن تنتمي له، تماما كما هو الحال بالضرر والخسارة التي ستكون من الاعتقاد الفاسد بأنه لا يمكن أن تكون هناك علاقة مع هذه الجهة المحلية أو تلك الدولة الاقليمية أبداً.
فالسعودية التي اعتبرت كل من ينتمي للإخوان المسلمين او يؤيدهم أو حتى يتعاطف معه وظلت تنشر قوائم الجماعات والاشخاص الإرهابيين و تعتبر هذه الحركة الإخوانية حركة إرهابية خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، وظلت اعني السعودية تتوعد اية جهة باليمن بالويل والثبور إن هي تواصلت مع قطر، ها قد تناست كل هذا في ليلة وضحاها، وصارت الحركة الإخوانية وقطر في نظر السعودية وذبابها الإلكتروني تعملان بالدين الإسلامية وتعاليمه على سنجة عشرة. وهي ذات السعودية التي كانت وما تزال تعبس بوجه أي جهة جنوبية او شمالية تفكر بالحوار مع الحوثيين تدفع بكل ثقلها الدولي للضغط على الحوثيين بأن يقبلوا الحوار معها ووقف الحرب، وستفعل الشيء ذاته مع إيران في الوقت المناسب لها، مع إيران التي ترى فيها السعودية بأنها مجوسية فارسية تستهدف الأمن القومي العربي.
"أحبب حبيبك هونًا ما،عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما."
(حديث نبوي).