آخر تحديث :الإثنين-16 سبتمبر 2024-01:46م

أوباما السعودي!

السبت - 13 سبتمبر 2014 - الساعة 12:02 م

حسين شبكشي
بقلم: حسين شبكشي
- ارشيف الكاتب


تفتخر المجتمعات السوية بقصص نجاح أبنائها مهما كانت خلفياتهم وطبيعة انتمائهم، وها هو المجتمع الأميركي يعبر عن فخره واعتزازه بقصص نجاح ابن المهاجر السوري ستيف جوبز، مؤسس شركة «أبل» الأسطورية، ويعتز جدا بقصة نجاح الرئيس الحالي باراك أوباما الذي صعد سلالم المجد بشكل مبهر، وهو ابن المهاجر الكيني البسيط ليصبح خريج جامعة هارفارد الأميركية العريقة، ومن كليتها المميزة للحقوق تحديدا، ومن ثم يصبح عضوا في الكونغرس ثم رئيسا للبلاد لولايتين متتابعتين كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية. وغيرهما طبعا هناك الكثير من النماذج الموجودة، سواء في أميركا أو غيرها.
ويتحدث السعوديون مؤخرا بإعجاب شديد وبالغ عن قصة نجاح سفيرهم المتألق والمميز لدى اليابان، الدكتور عبد العزيز تركستاني، الذي تحول في فترة قصيرة إلى أهم قصص النجاح في تاريخ الدبلوماسية السعودية بلا شك. ابن مدينة الطائف والآتي من أصول بخارية جليلة، تلك الأصول التي خرج منها سادة العلوم الإسلامية كالإمام البخاري والإمام مسلم وآخرين. كان عصاميا بامتياز، آمن بضرورة وأهمية العمل الدؤوب وبناء النفس والتفكير الإيجابي والاجتهاد والجهاد مع النفس وإحسان الظن دوما بالناس مهما أظهروا البغضاء والحرب والعنصرية والكره والخبث، وواجه الكثير من ذلك في حياته، وكانت كلها قفزات ومراحل لتقوية نفسه في نهاية الأمر. ولكنه يؤمن بأن كل ما يحدث له هو نتاج دعاء والده الصالح بحقه، ولأنه حاول أن يكون بارا بوالده فحصد ما زرع.
درس مرحلته الجامعية في بلاد الشمس، وكانت اليابان وجهته ومقصده. حط الرحال فيها كطالب علم، ولكنه انغمس في ثقافتها وشخصيتها فعرف اليابان، وفهم اليابانيين، ونال الكنز العظيم بعد ذلك وهو ثقة اليابانيين فيه، وتحولت هذه الثقة إلى جسور بين الشعوب والدول. أتقن اللغة اليابانية، وكوَّن صداقات مهمة حافظ عليها بكل ذكاء. عاد إلى بلاده وعمل في القطاع الخاص المعني بالتفاعل مع اليابان، ثم انتقل إلى العمل الحكومي، وجاء اختياره ليكون سفيرا لبلاده لدى اليابان، إحدى أهم الدول في العالم، وبدأ حملة بإتقان شديد طوَّر من علاقات اليابان مع برنامج الابتعاث السعودي للدراسة في الخارج، نظم زيارات مهمة لمسؤولين في كل المجالات، ساعد في كسر الجليد النفسي الموجود في قطاعات مختلفة داخل اليابان، وتمكَّن بكل مهارة من إعادة التميز في العلاقات الإدارية بين السعودية واليابان من العاصمة اليابانية بشكل أقل ما يقال عنه إنه استثنائي بامتياز.
قصة عبد العزيز تركستاني ونجاحه المميز هي قصة يجب أن تروى لأنها تمنح مفاتيح الأمل وتظهر وجود قدرات مهمة وسط أبناء المجتمع دون الحاجة لاستيراد التجارب من الخارج، ولعلها تكون فرصة لأن تلهم إدارات الإنتاج التلفزيوني في الإعلام بأن يقوموا بتقديم قصة حياته كعمل درامي مثرٍ وأخاذ فيه الكثير من القيم والمعاني والتسامح والرقي ليكون ذلك تطبيقا عمليا ومرئيا للمبادئ التي يطلع عليها النشء دوما دون أن يشعروا بها بشكل عملي وأمام أعينهم.
كنت أروي قصة عبد العزيز تركستاني أمام أحد الإعلاميين الغربيين بكل فخر واعتزاز لأؤكد له أن هناك نماذج مميزة في السعودية التي خطفت أخبارها على أيدي بعض المتهورين الإرهابيين مع الأسف الشديد، فقال لي: لماذا لا تحكون قصته وغيرها من القصص؟ سؤال جميل لأن قصة عبد العزيز تركستاني ملهمة، وهناك بالتأكيد قصص مشابهة لها.
إذا كان الأميركيون لهم الحق أن يفخروا بباراك أوباما فالسعوديون لهم الحق أيضا أن يفخروا بعبد العزيز تركستاني.

عن صحيفة الشرق الأوسط.