آخر تحديث :الإثنين-16 سبتمبر 2024-01:46م

يا جارة الوادي

الأحد - 16 أغسطس 2015 - الساعة 04:23 م

حسين شبكشي
بقلم: حسين شبكشي
- ارشيف الكاتب


منطقة واحدة بسيطة في ولاية كاليفورنيا تؤثر على مستقبل العالم بشكل واضح ويومي ومستمر. هذه المنطقة المقصودة هي وادي السيليكون، تلك المنطقة التي باتت رمزًا وأيقونة لكل ما له علاقة بالاقتصاد العصري الرقمي الجديد. هذه المنطقة أخرجت شركات ناجحة ومؤثرة وعابرة للقارات وأصبحت علامة تجارية تضرب بها الأمثال.
هذا الوادي أخذ اسمه بسبب المهارات المميزة والاستثنائية المطلوبة في تصنيع الشرائح الذكية الإلكترونية المليئة بمادة السيليكون. ولكن اليوم تعيد هذه المنطقة تعريف معنى الفرص والاستثمار والمال الجريء المقدام. بل إن الأدق أن الرأسمالية الغربية التي كانت تفتخر بمواقع مختلفة «لقوتها ونهضتها» مثل البندقية ولاهاي ولندن ونيويورك، اليوم باتت منطقة وادي السيليكون مقرًا جديدًا للرأسمالية الحديثة.. موقع مثل «فيسبوك» يعيد تعريف مفهوم «النشر»، وموقع مثل «أمازون» يعيد تعريف مفهوم «التجارة»، وموقع مثل «أوبر» يعيد تعريف مفهوم «التوظيف». كل هذه الشركات ومن هي على شاكلتها أجبرت الدول والأنظمة على مراجعة مفهوم «السيادة».
اليوم شركات مثل «آبل» و«غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر» و«أوبر» أصبحت أهم وأكثر تأثيرًا من آلاف الشركات العريقة المنتشرة في كل بقاع العالم والتي توظف عشرات الآلاف من الموظفين، ولكن نموذج الأعمال نفسه تغير.
وادي السيليكون لا يزال هو الأقدر والأجدر في جذب الفرص الاستثمارية، فاليوم تقدر قيمة الشركات الموجودة فيه بما يزيد على الثلاثة تريليونات دولار. نعم قرأتم الرقم بصورة صحيحة، والمذهل بشكل أكبر أن هذه الشركات لا تزال لديها القدرة على جذب أهم المواهب والعقليات، فاليوم واحد من كل خمسة متخرجين بتفوق من أهم الجامعات المتخصصة في الولايات المتحدة لا يزالون يتوجهون إلى شركات التقنية العالية.
تغيير نموذج الأعمال هذا هو في حقيقته «ثورة» كاملة لم يشهد العالم مثلها في تأثيرها منذ نهاية القرن التاسع عشر الذي شهد ولادة عدد مهول من الاختراعات والمخترعين، وولد الثورة الصناعية الكبرى التي انعكست بشكل واضح على اقتصادات العالم وأوجدت طبقات جديدة من الثراء والاستهلاك. قطاع التقنية في وادي السيليكون يبدو اليوم أكثر نضجًا وثقة ووعيًا وخبرة، تجارب الزمن والسنين أتت عليه بفائدة، واليوم لا يخشى عليه من حصول ووقوع نفس المأساة المالية التي حصلت في نهاية حقبة التسعينات عندما انفجرت الفقاعة المالية وحصل الانهيار الكبير في قيمة الكثير من الشركات وأفلس الكثير منها. اليوم هناك شروط رقابية أكثر صرامة، وقيود إدارية للمراجعة والتدقيق أكثر مهنية، والخبرة التراكمية باتت لها قيمة ودور.
كل ذلك ما كان ليحصل ولا ينجح لولا توفر المناخ السليم والمحفز الذي قدم الأنظمة والسياسات والتشريعات والقوانين الميسرة والمرحبة والسلسة التي من شأنها أن تأتي بالكوادر المهمة، وقدمت أرضية التعليم المنافس الذي يخرج الكفاءات المطلوبة، ووفرت الشروط السهلة لجلب الكفاءات الناجحة من كل مكان في العالم لتكون نقطة جذب لرأس المال البشري.
قصة نجاح وادي السيليكون فيها الكثير من الفوائد والعبر والدروس وتم تقليدها بنجاحات متفاوتة حول العالم، ولكن تبقى قصة الوادي هي الأهم والأكثر تأثيرًا.

عن الشرق الاوسط ..