آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-08:12م

حين هدّدت «داعش» بغزو السعودية !

الإثنين - 15 فبراير 2016 - الساعة 09:24 م

احمد المسلماني
بقلم: احمد المسلماني
- ارشيف الكاتب


تحتاج قراءة المشهد السياسى فى الشرق الأوسط إلى «رسالة دكتوراه» يوميّة.. لبحث وتحليل الأحداث المشتبِكة والمرتبِكة.. بلا حدود. وكلمّا تصوّر المرءُ أن الكثبان الرمليّة المتحركة قد هدأتْ حركتُها.. وثبتّتْ فى مواقعِها.. سرعان ما تنطلق العواصف ليتغيّر المشهد من جديد.. إنها حركة لا تهدأ إلاّ لتعود.. ولا تعود إلاّ لتستمر!
(1) لقد كان من عواصِف اللحظة الحالية ذلك التهديد «الغريب» من تنظيم «داعش» بالقيام بـ«غزو السعودية» إذا ما قامت المملكة بالدخول بقوات بريّة فى سوريا.
هدّد التنظيم.. بأنه سيستغِل انشغال الجيش السعودى جنوباً فى اليمن وشمالاً فى سوريا.. لإحْداث اختراق فى الأراضى السعودية من الحدود العراقية (الداعشيّة) فى محافظة الأنبار. وقال مسئولون فى التنظيم.. إنهم يُعدّون لـ«غزوة الرطبة».. أى الدخول من منطقة «الرطبة» فى الأنبار إلى الحدود السعودية.. بينما لن تتمكّن القوات السعودية المنشغِلة بعيداً جهة الجنوب فى اليمن أو المشغولة بعيداً جهة الشمال الغربى فى سوريا.. من سرعة التعبئة فى جبهة ثالثة.. جهة الأنبار، إذا ما بدأت «داعش» فى غزوتها!
(2) ثمّة فرضيّة قديمة تذهب إلى أن تنظيم «داعش» المُعادِى «ظاهرياً» للشيعة.. هو تنظيم موالٍ لإيران.. وأن التنظيم منذ نشأ إنما حقق المزيد من النفوذ الإيرانى فى المنطقة.. وهبط بصورة السُّنة حول العالم.
تقول إيران إن السعودية لها نفوذ فى «داعش».. وتقول السعودية إن إيران لها نفوذ فى «داعش».. ويقول آخرون إن أيدى إسرائيل ليست بعيدة.. عن الخلافة والخليفة.
لقد سبق أن قدّرتُ أن منظمة «داعش» هى شركة مساهمة.. وأن أسهم أجهزة المخابرات المتزاحمة فيها.. ليست فى وضع الثبات.. ذلك أنها تواجه تقلبّات السوق السياسية والاقتصادية.. على السواء، ولكن تبدو فرضيّة ارتفاع الأسهم الإيرانية فى تأسيس «داعش».. أكثر قبولاً بمرور الوقت.. ذلك أن قصة تكوين وصعود «داعش» قد مضتْ فى فصولها الأخيرة لصالح طهران أكثر مما هى لصالح أى طرف آخر.
(3) لكن الدور الإيرانى لا يكفى وحده لتفسير ذلك التمدُّد العالمى لـ«داعش».. فلقد أصبحتْ «داعش القابضة» أو «داعش العالمية» أكبر بكثير من قدرات إيران.. وأبعد كثيراً من حجمها ودوْرِها.
وبحسبِ الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون».. فإن تنظيم «داعش» أصبح عالمياً بشكل كبير.. وأن هناك (34) جماعة إرهابية قد بايعتْ التنظيم حول العالم.. من أوزبكستان إلى ليبيا.. ومن الفلبين إلى نيجيريا.. وأن «التوسع الأخير لنفوذ داعش فى غرب وشمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وكذلك جنوب وجنوب شرق آسيا.. قد حدث على مدى (18) شهراً فقط»!
(4) إن الأمر يبدو أشبه بأفلام عصابات الغرب الأمريكى.. كلما ظهر شخص وراء التنظيم.. ظهر وراءه شخص آخر يديره، وكلما ظهر ذلك الشخص الآخر الذى يدير.. اتضح أنه ليس إلا مأموراً ينفّذ أوامر من وراءه.. ليبدو الأخير وكأنّه صاحبُ الأمر.. لكن سرعان ما يتأكّد المرء أنّه -هو الآخر- ليس إلا واجهةً لشخصٍ آخر.. وهكذا.
إن البحث فى المنابع التنظيميّة والتمويليّة لحركات الإسلام السياسى التى أرهقتْ الدين والدنيا.. يبدو مستحيلاً.. وإن تجفيف المنابع المحلية قد لا يكفى إزاء استمرار الضخّ من المنابع العالمية. وحيث يبدو أن «لعبة الأمم» قد تمكّنت من العالم الإسلامى الذى صار يمتدُّ من الدماء إلى الدماء.. فإن كسْر هذه اللّعبة إنما يتطلّب أعلى مستويات العلم للمواجهة.. من المنبَع إلى المصَب. لا يمكن إدارة الحرب العالمية ضد الإرهاب.. ومن وراء الإرهاب.. عبْر برامج التوك شو، والموضوعات الأكثر تعليقاً.
(5) يحتاج العالم الإسلامى إلى إحياء الفلسفة الإسلامية.. وتقديم نخبة من الفلاسفة الجُدد، كما أنه يحتاج إلى جهودِ أعظم المفكرين وصفوة العقول.. وأولئك الدارسين والباحثين فى مجالات العلم والمعرفة.. باتّساعها.. ذلك أن النصر فى هذه «الحرب التاريخية».. لن يتأتّى إلا باستعادة العقل فى المعارك الكبرى.. الأغبياء والعملاء سواء.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

عن صحيفة الوطن المصرية ..