عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على فندق نينوى أوبروي في شرق الموصل استبدل بزبائنه من أثرياء العراق نوعا آخر من النخب تمثل في مقاتلين أجانب ومفجرين انتحاريين يعتبرون من أثمن ما لدى التنظيم من أفراد.
وقد أدت سيطرة الجيش العراقي على المجمع المدمر - الذي أعاد التنظيم تسميته فندق الوارثين - إلى حرمان المتطرفين من موقع استراتيجي يتيح رؤية شاملة لمختلف أنحاء المدينة المترامية الأطراف.
ومع ذلك يقف مبنى الفندق المكون من 11 طابقا وتحيط به أشجار النخيل تذكارا حيا على الأخطار العديدة والمستقبل الغامض في الوقت الذي تستعد فيه القوات العراقية لتوسيع نطاق هجومها على الدولة الإسلامية إلى غرب الموصل فيما سيمثل معركة أصعب بكثير.
ويقع المجمع الذي أصبح فناءه في مرمى قناصة الدولة الإسلامية ومنفذي الهجمات بقذائف المورتر المتحصنين على الجانب الآخر من نهر دجلة الذي كان مشهده يسر الناظرين من نزلاء الفندق وهم يقفون في شرفاته.
ولم تفت هذه الحقيقية المزعجة على الجنود العراقيين الذين تسوقهم أقدامهم إلى غرف الفندق في الأدوار العليا لرصد المواقع المعادية في الشطر الغربي على الجانب الآخر من النهر الذي يشطر مدينة الموصل إلى شطرين.
امتلأت الستائر بثقوب أحدثتها طلقات الرصاص من فعل قناصة الدولة الإسلامية. ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن أشد المقاتلين بأسا وفتكا في صفوف التنظيم هم المقاتلون الأجانب المسموح لهم بالإقامة في الفندق مكافأة لهم على خدماتهم.
وكان الفندق الأصلي يتكون من 265 غرفة وبني في الثمانينات ليسد حاجة أصحاب النفوذ خلال عهد صدام بمن فيهم ضباط الجيش والمسؤولون الحكوميون ورجال الأعمال الذين يكافئهم النظام على ولائهم لحزب البعث.
وقد تهدم في الاشتباكات الأخيرة أحد القصور السابقة لصدام ويقع على جزيرة في نهر دجلة. وآل قصر آخر على مقربة إلى المصير نفسه.
* قائمة الطعام للمتشددين
استولى تنظيم الدولة الإسلامية على الفندق بعد اجتياح الموصل عام 2014 دون أي مقاومة فعليا من جانب القوات العراقية وفرض حكمه بالنار والحديد.
وعرض موقع إلكتروني للجهاديين صورا لمتشددين مع زوجاتهم وقد غطاهن السواد من الرأس إلى أخمص القدم وأطفالهم في الفندق الذي كان يوصف في السابق على الانترنت بأنه مصمم تصميما أنيقا يتيح تقديم خدمات الخمسة نجوم كاملة.
ومنع تناول المشروبات الكحولية في الفندق لكن لا تزال بقايا أقراص مسكنة وحقن استخدمها المقاتلون الجهاديون قبل المعركة وبعدها موجودة.
وتظهر صور قديمة منشورة في إعلانات على الانترنت أجنحة فاخرة بأسرة كبيرة الحجم وقاعات للمؤتمرات وحوض كبير للسباحة وممر مسقوف للتسوق وساحة للعب البولنج وكل هذه الصور تتناقض تناقضا حادا مع ما حاق به من دمار في الوقت الحالي.
وعند المدخل المؤدي إلى النادي الصحي تقبع قذيفة صاروخية ويتناثر الزجاج المكسور حيث دمرت منشآت الساونا والجاكوزي.
وعكف جندي طلب عدم نشر اسمه على دراسة الأثاث المحطم والمقاعد التي تكوم بعضها فوق البعض الآخر في الطوابق السفلى وذلك بحثا عن خيوط لكيفية عمل التنظيم في الفندق.
وأضاف قائلا "المؤتمرات كانت تعقد في هذا الطابق. لابد أن قيادة داعش عقدت اجتماعات هنا لبحث استراتيجيتها" مستخدما اختصارا شائعا لاسم التنظيم.
وكان للتنظيم قائمة أسعار خاصة لمطعم الفندق ومقهاه مطبوعة على قوائم بلاستيكية بسيطة للأسعار. وكان مشروب الكابوتشينو يباع بما يعادل دولارا واحدا تقريبا.
ولم تكن الأسرة موجودة بغرف الفندق وقال جنود عراقيون إن المتطرفين باعوها في السوق مع بدء انهيار دولة الخلافة التي أعلنوها تحت وطأة الهجوم الذي تدعمه ضربات جوية يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وبذل قادة التنظيم من جانبهم أقصى ما في وسعهم للحفاظ على الروح المعنوية عالية حسبما يتضح من نسخة من صحيفة دعائية محلية تركها صاحبها في الفندق. وتقول عناوين الصفحة الأولى إن العمليات أسفرت عن مقتل المئات من القوات العراقية.
وسلط عنوان آخر الضوء على الهجوم على ملهى ليلي في اسطنبول في ليلة رأس السنة.
ولا توجد بادرة على إعادة فتح الفندق قريبا إذ يتوقع أن تشتد ضراوة القتال في غرب الموصل.
وحتى إذا هزم التنظيم في الموصل كلها فمن المتوقع أن يشن حرب عصابات في العراق.
ويبدو أن أحدث نزلاء الفندق وهم الجنود العراقيون قد اعتبروه قضية خاسرة فخلفوا وراءهم الأطباق المصنوعة من مادة البولي ستايرين الرغوية (الفوم) وبها وجبات فاسدة من اللحم والأرز ظلت على أرضيات الحجرات منذ أسابيع.
وفي بعض المناطق كانت آثار تغوط البعض واضحة.
وأمام الجنود مسألة أخرى أكثر إلحاحا عليهم أن يهتموا بها وهي أن المتطرفين يراقبونهم من الضفة الأخرى للنهر لتظل حالة الاضطراب لمن هم على ضفته الشرقية بفعل هجمات المورتر والطلقات النارية