بدأ الجمهور الإيراني يحتشد قبل ساعتين من بداية مواجهته مع اليابان في ملعب هزاع بن زايد في العين، لكن معظمه لم يكن يتوقع أن يغادر قبل دقائق من صافرة النهاية وهو يجر أذيال الخيبة.
لم يتوقَع لأن إيران كانت المنتخب الأكثر ترشيحا ومتعة في كأس آسيا 2019. سجلت وسيطرت ودافعت، لتبلغ نصف النهائي الأول لها منذ 2004 وتوقظ حلما عمره 43 عاما عندما توجت مرة ثالثة وأخيرة في البطولة القارية.
جاءت جماهير "تيم ميلي" بكامل عدتها، الطبول والأعلام والأبواق، فيما تناثر عشاق "الساموراي الأزرق" بين 23 ألف متفرج غصت بهم مدرجات الملعب الجميل الذي أنهى استقبال المنافسات القارية بعد استضافة كأس العالم للأندية.
توقعت جماهير المنتخب الأعلى تصنيفا في القارة الأكثر سكانا في العالم، أن يكرر القناص القاتل سردار أزمون وهداف الدوري الهولندي السابق علي رضا جهانبخش انجازات دور المجموعات والادوار الاقصائية، وتوقعوا أن يقف جبلهم علي رضا بيرانفند، المرشح سابقا لجائزة أفضل حارس في العالم، ويكرر صداته أمام البرتغالي كريستيانو رونالدو والعماني أحمد كانو.
لكن حسابات الأطفال المدللين للمدرب البرتغالي كارلوس كيروش، لم تتطابق مع شيفرات الكومبيوتر الياباني. أخفق أزمون بتخطي قدم حارس اليابان في الشوط الأول، وبقيت سيطرة لاعبي وسط آسيا من دون خطورة على مرمى شويتشي غوندا.
وغوندا هو الوحيد من التشكيلة الأساسية يحترف في الدوري الياباني، فيما الآخرون موزعون بين إسبانيا وإنكلترا وألمانيا وفرنسا وهولندا، ولو ليس بين صفوة أندية القارة العجوز.
في الشوط الثاني، حلت لحظة "بريئة وساذجة" بحسب المدرب كيروش من قبل المدافع حسين كنعاني، فأهدى بطريقة غير مباشرة هدف الافتتاح ليويا أوساكو مهاجم فيردر بريمن الألماني، لتهتز شباك بيرانفند للمرة الاولى.
وفي وقت تأهب الإيرانيون لامتصاص الصدمة الأولى، كانت الثانية قاتلة. فمن لمسة يد جدلية للمدافع مرتضى بوراليغانجي، تدخل فيديو التحكيم وبصافرة أسترالية كتلك التي وضعت ايران خارج ربع نهائي 2015 ضد العراق.
أطلق أوساكو رصاصته الثانية من ركلة جزاء، كان وقعها النفسي هائلا على لاعبي إيران وهو ما أكده كيروش في المؤتمر الصحافي متحدثا عن "انهيار عاطفي".
وُضعت طبول الإيرانيين جانبا، والأسوأ من ذلك ارتباك لاعبيهم وفشلهم في القبض على منطقة القائد مايا يوشيدا.
فرضت اليابان بتقنية لاعبيها وتكتيك مدربها هاجيمي مورياسو انضباطا هائلا في اللقاء، لدرجة ان كيروش رفع قبعته لها مؤكدا أن "الفريق الافضل فاز في المباراة" قبل أن يلمح إلى انتهاء مشواره مع إيران، مستعينا بأغنية شهيرة للأميركي الراحل فرانك سيناترا.
بعد ثماني سنوات ومغامرات عديدة في كأس العالم وكأس آسيا، لم ينجح تلميذ السير أليكس فيرغوسون بمنح إيران أي لقب. عبّر عن غيظه من صحافي إيراني سأله عن دوره خلال المباراة في ظل "الانهيار العاطفي". رد عليه "+وأنت ماذا فعلت في آخر ثماني سنوات؟+" في إشارة إلى حملات تعرض لها مدرب ريال مدريد الإسباني السابق برغم فخره بلاعبيه و"الارث" الذي سيتركه للمدرب المستقبلي. لم يكتم كيروش غيظه من هذا السؤال، وعاد بنهاية المؤتمر لمواجهة الصحافي نفسه، مكررا السؤال نفسه "ماذا فعلت أنت؟".
كانت اللحظات الأخيرة ثقيلة جدا على من تبقى من مشجعي إيران داخل الملعب، تغيرت النتيجة المحسومة أصلا بهدف هاراغوتشي الثالث، فبكى كثيرون وكثيرات. حتى مترجم كيروش صاحبة رباطة الجأش الاعتيادية، تأخر بالوصول إلى قاعة المؤتمرات الصحافية وكانت عيناه حمراوين من بكاء محتمل.
ستوضب إيران أمتعتها، ومعها كيروش نحو مغامرة كولومبية محتملة، لتطوي حلم الأعوام الـ43 بانتظار نسخة 2023.