يمرّ اليمن بمنعطفٍ خطير على صعيد أزمته السياسية، في ظل ما يشهده حاليًا من تصعيد عسكري في بعض الجبهات، والذي يأتي، وفق مراقبين، في سياق الضغط من جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) لتحقيق هدف من اثنين: الأول تحقيق تقدم على الأرض يعزز موقعها التفاوضي مع الرياض، وخاصة باتجاه مدينة مأرب، والثاني إيصال رسالة مفادها أن ساحة المعركة متعددة الجبهات هي بديل تعثر المفاوضات والتأخر عن تنفيذ الشروط المطروحة.
وشهد اليمن خلال الأسبوع الماضي تصعيدًا في عدد من الجبهات، بما فيها منطقة الكسارة شمال غربي مأرب، وأفادت وسائل إعلام محلية بسقوط قتلى وجرحى من الجانبين. يأتي تجدد القتال بعد أكثر من عام ونصف من الهدوء الناجم عن توقيع اتفاقية هدنة لشهرين وتجددت مرتين، بقي بعدها الهدوء مستمرًا بشكل غير رسمي مع تجدد المناوشات هنا وهناك بين فترة وأخرى بموازاة مفاوضات بين الرياض والحوثيين سيّرتها مسقط في القنوات الخلفية، قبل تحولها إلى مفاوضات رسمية وتبادل زيارات بين وفود الرياض وصنعاء، وصولاً إلى زيارة السفير السعودي محمد آل جابر لصنعاء على رأس وفد مفاوض في نسيان/ابريل الماضي، وبعد خمسة شهور من تلك الجولة من المفاوضات استأنف الجانبان المفاوضات بوساطة عُمانية، واستضافت الجولة الثانية منها الرياض في أيلول/سبتمبر، وجاءت تصريحات الجانبين تتحدث عن «نتائج إيجابية» على أمل استئناف التفاوض في جولة أخرى كان مرتب لها مستهل تشرين الأول/اكتوبر؛ إلا أن جمودًا ران مسار المحادثات.
وحسب تصريحات من الحوثيين فإن المحادثات تركزت ما اُعتبر شروط بناء الثقة؛ وهي ذات العلاقة بتسليم رواتب الموظفين العموميين في مناطق سيطرتهم من عائدات النفط والغاز في مناطق نفوذ الحكومة، ورفع كافة القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وما يتعلق بفتح الطرقات والأسرى، بالإضافة إلى خروج القوات الأجنبية من اليمن وإعادة الإعمار؛ وهذا الأخير تحاول الرياض التملص منه من خلال إصرارها على الحوثيين للقبول بها كوسيط. وحسب تقرير للباحثة المتخصصة بشؤون الخليج واليمن، فينا علي خان، فثمة تقدم تحقق في مسار هذه الشروط، بل إنها قالت إن «الإطار العام للاتفاق الحوثي السعودي قد أصبح قائماً، على الرغم من أن بعض التفاصيل الصغيرة لا تزال بحاجة إلى حل». وتوقعت مصادر من الجانبين استئناف المفاوضات في الأيام المقبلة مع أقرب فرصة هدوء في المشهد الفلسطيني، لاسيما وأن الرياض حريصة على طي صفحة الحرب في اليمن؛ إذ أنها لا تريد أن تعود البلاد للانزلاق في مرحلة أخرى من الصراع، لأن ذلك من شأنه أن يعود بكل شيء إلى نقطة الصفر، وهو ما لا تريده الرياض مطلقًا، انطلاقا من حرصها على أمنها ورغبتها في التفرغ لرؤيتها 2030؛ وهو ما يتطلب توقف الحرب في اليمن.
بلا شك إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/اكتوبر ومتوالية الأحداث هناك قد كان لها تأثيرها على صعيد الاهتمام بالأزمة اليمنية، ليبقى السؤال مطروحًا عن أسباب الجمود الراهن في المحادثات بين الرياض والحوثيين، وكذلك في جهود الوساطة العمانية؟
فيما يتعلق بجمود المحادثات فيرى الباحث السياسي اليمني، عادل دشيلة، متحدثا لـ«القدس العربي» أن هناك عدة معوقات أدت إلى هذا الجمود؛ وتتمثل في إصرار جماعة الحوثيين على مطالبهم؛ وفي المقابل محاولة المملكة العربية السعودية الخروج من المأزق اليمني بأقل الخسائر، بينما يريد الحوثيون تسليم المرتبات من خلال اقتسام الثروات ممثلة في عائدات النفط والغاز، وغيرها من الشروط».
وفيما يتعلق بالوساطة العمانية يرى دشيلة أن الوساطة العُمانية ما تزال تتحرك مع وجود بعض الجهود الدولية، بما فيها جهود المبعوث الأممي التي ما تزال مستمرة. كما أشار إلى أن الصراع الإقليمي الذي يتفاقم حاليا، قد يزيد من تعقيد مسار الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن.
وقال: نحن ندرك أن الكيان الصهيوني يستهدف المناطق الفلسطينية في الوقت الراهن، وهناك تركيز شديد على العمليات العسكرية ضد إخواننا في غزة على وجه التحديد.
وأضاف «هناك تحولات في المشهد الإقليمي، ربما كان لها تأثيرها فيما تعانيه الوساطة العمانية من جمود، علاوة أن الأحداث في فلسطين حوّلت مسار التركيز فيما يحصل في الشرق الأوسط؛ فتراجع الاهتمام بالمأساة اليمنية في الوقت الراهن».
وفيما يتعلق بالعلاقة بين مصير الحرب في اليمن وما تحققه هذه المحادثات، يعتقد دشيلة أن المشهد اليمني ما زال غير جاهز ومهيئ لتسوية سياسية عادلة وشاملة. وقال: في حال تحققت بعض التقاربات بالإمكان أن تنعكس ايجابًا على المشهد اليمني. معنى ذلك أنه قد يحصل تقارب إقليمي، ويحدث ضغط على القوى المحلية للقبول بتسوية، لكن المشهد المحلي غير مهيئ للدخول في تسوية سياسية عادلة وشاملة. ورأينا مؤخرًا عودة العمليات العسكرية في شمال غرب مأرب، ومحاولة الحوثيين التقدم باتجاه مدينة مأرب، وبالتالي ما تزال كل الخيارات مطروحة على الطاولة.
ورجّح احتمال عودة المعارك خلال المرحلة المقبلة، في حال وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود. واستدرك متسائلا: لكن هل سينخرط التحالف العربي في العمليات العسكرية كما انخرط سابقًا؟ لا أتوقع ذلك. بمعنى ترك الباب مفتوحا أمام القوى اليمنية، ولهذا قد يدعم التحالف القوات الحكومية ببعض العتاد العسكري، ليس لترجيح كفة الحرب، ولكن لإيجاد توازن بين الطرفين، ما يعني أن الاستمرار في حالة اللاسلم واللااستقرار ما هو إلا تمييعًا للقضية اليمنية ودخول البلاد في نفق مظلم لا أحد يستطيع التنبؤ متى سيخرج منه.