آخر تحديث :الجمعة-18 أكتوبر 2024-01:24ص

قصة ثور جدي الوفي!

الأربعاء - 19 يونيو 2024 - الساعة 02:29 م

ماجد الداعري
بقلم: ماجد الداعري
- ارشيف الكاتب


كان لجدي ثور أحمر كبير القرون مفتول الظهر عريض المنكبين وكان مخلصا وفيا لابقار القرية أكثر من جدي نفسه وأعيان القرية.
يقوم ثور 🐂 جدي بكل مهام فلاحة الأرض وتلقيح ابقار القرية وكل المهام الآخرى على أكمل وجه ويمتلك فوق ذلك طاقة اضافية للتحرش بابقار القرى الآخرى بغية إشعال غيرة ابقار القرية ليبقين على مقربة منه يدللنه ويقدرنا حجم قوته ومستوى وفائه لهن دون سواهن من ابقار الكرة الأرضية حتى وهن يدفعن له ماطاب من أعشاب وطعم وقصب و"غساول" بغية إشعال مزيد من الاثارة فيه حتى يتولى مهمة تلقيح كل ما حوله من ابقار ينتظرن بركات فحولته على أمل استنساخ فصيلته الحيوانية النادرة، بينما هو كان يكتفي بأكل وشرب كلما يلقى أمامه حتى يشبع ويداهمه النوم فيخر نائما كالأبله حتى وأبقار القرى المجاورة ينتظرن من حوله صحوة فحولته مع كل نفس يتنفسه وشهقة زفير يطلقها في حضيرته الواسعة.

كان جدي رحمة الله تغشاه، طيبا كريما مع من يستعين بثوره لأي مهمة على أمل أن يفرغ منه بعض طاقاته التي تجعله متوحشا بدون عمل أو أبقار يغازلنه طوال النهار ويشعرنه بأنه الأب الروحي لهن ولا غنى عنه مهما تعددت اثوار القرية والقرى المحاورة..فهو وحده القادر على القيام بالمهمة على أكمل وجه.

وذات يوم أحضرت نسوة من القرية المجاورة خمس بقرات عجز كل الاثوار عن تلقيحهن ولم يعد لأصحابهن من أمل غير ثور جدي المستعد دوما لمثل هذه المهمة مع أبقار قريتنا دونما تفريق منه بين بكر وحامل وعانس وكبيرة بالعمر..

وبمجرد أن رأى موكب ابقار الجيران نهض مرحبا بضيوفه وبدأ يغازلهن من عينيه حتى آخر شعرة في طرف ذيله التي كان يلعب بها ويحركها على كل الزوايا فرحا بالضيوف، بينما كآنت ابقار القرية في حالة من الصدمة من تجاوب ثورهن الوفي مع البقرات الغريبة عنه وهن يتهامسن فيما بينهن :هل سيفعلها معهن ياترى؟!

لحظات مرت في حضرة الإستقبال المهيب من ثور جدي وهو يستهل مراسيم الضيافة بنوبات حواء ايقظت جدتي رحمة الله عليهآ من أعماق نوم قيلولتها، فأخرحت رأسها من النافذة لترى مايريده الثور المسعور جنسيا بهذا التوقيت المزعج..
فرأته في أعلى نوبات هيجانه على الأبقار التي تنتظر الأذن لهن بالدخول إليه واحدة تلو أخرى كي تنال آخر فرصة للتلقيح والحمل..
فنزلت جدتي من الدار واستقبلت ضيفاتها بالماء والشاي وعاتبتهن على إحضار الطعم والأعشاب وبقايا الأكل المفتوت لثور جدي الخارق في تلقيح الأبقار باعتباره منعوم بخير وفير ظاهر على ظهره ولآ يحتاج للمزيد.. لكنهن أصرين على تقديم مايحملنه من طعام للثور مقابل خدمته وحتى لا يخسر بعض وزنه وطاقته مع ابقارهن دون مقابل.

وبالفعل أدخلت جدتي الطعام وبقايا الأكل المخلوط بماء تغسيل الأواني والقصب إلى الثور وصرخت في وجهه ليكف عن سعار جنونه دونما جدوى حتى بدأ بالأكل والشراب بهدوء، في حين عادت جدتي لتسرح بالكلام مع النساء ريثما ينتهي الثور المعجزة من مهمة الأكل والاستعداد للقيام بواجب الضيافة والتلقيح مع الأبقار المترقبات على أحر من الجمر لبدء معركة التسابق أو القفز إلى حضيرته المحصنه.
وفي لحظة افاقت جدتي من غفلة حديثها مع نساء القرية المنتظرات لانتهاء مراسيم تلقيح ابقارهن
وفورا ذهبت إلى الثور فوجدته قد انتهى من الأكل وغط في سبات عميق دونما أي احترام لضيفاته أو تقدير ومراعاة لموقف جدتي أمام نساء القرى المستمعات إليها جيدا وهي تحكي بطولات الثور وكيف يستطيع أن يقوم منفردا في حراثة الأرض بدلا عن ثورين..

أحرجت جدتي كثيرا وبدأت محاولاتها بايقاظ الثور دونما جدوى، فبدأت بضربه كي يصحو ولكن دونما جدوى أيضا فقد كان يكتفي باعطائها الظهر الآخر كلما اوغلت في ضربه من جهة واحدة.

وهكذا باءت كل محاولاتها بالفشل حتى اهتدت لفكرة إخفاء الأبقار عنه وإحضار بقرة جيراننا المتهالكة في السن بوصفها صاحبة أكبر أدوار نضالية معه وذكريات غرامية جمعتها مع ثور جدي الذي مازال في سبات عميق..
وماهي إلا لحظات أطلت فيها حميراء جيراننا بقرونها المتهالكة على الثور الراقد حتى نهض مسرعا بكل عزيمته الجنسية وبدأ مستعدا بأعلى درجات الإثارة والجاهزية الكاملة لبدء معركته المفضلة مع الحميراء
وحينها اشتبشرت جدتي خيرا بعودة الحرارة والعزيمة إلى ثور جدي، فسحبت الحميراء من أمام الحضيرة وأدخلت عليه أكبر ابقار الجيران ليبدأ بها افراغ بعض شبقه الحيواني المزعج لابقار القرية احيانا..
لكنه صدم الجميع وخيب ظن جدتي ونساء القرية والضيوف جميعا، بعد ان أعاد سيفه إلى غمده وخر بجسده على الأرض باحثا عن بقايا نوم؛ بينما دخلت عليه جدتي بعصى قهرها منه وبدأت تحاول إفراغ غضبها منه قبل أن يتدخل جدي بفيتو الممانعة ويطلب منها عدم المساس بثوره المقدس باعتبار ان ماقام به دليل وفاء منه لابقار قريته وليس من العدل ضربه على رفضه الخيانة.
وحينها تركته جدتي وغادرت حضيرته لتستسمح نساء القرى المجاورة عذرا وتحلف اليمين بأن لا يعدنا إلا بما تستطيع كلا منهن حمله من قصب الدخن والذرة كطعام تعويض لبقراتهن المخذولات بسبب نرجسية ثور جدي..
وحينها تمنيت لو أن حكام وقادة اليوم يتعلمون من وفاء ثور جدي لابقار قريتنا حتى وفاته!

ليتهم يتعلمون من ثور جدي!
#ماجد_الداعري